تأليفي لقصة قصيرة "آباء وأمهات لا يستحقون"

تفاصيل العمل

ظلت نظراته معلقة نحو ذلك الصغير، ظل ذو ثلاث السنوات يلعب هنا وهناك، وكانت والدته مشغولة بالأحاديث مع امرأة أخرى، فجأة التفتت المرأة لطفلها، وصفعته بعنف وهي تقول:

-لقد اتسخت مرة أخرى، ألا تعرف أن تلعب دون أن تتسخ كالكلب؟

لم يرّف للطفل جفن وكأنه كان معتادا على الضرب..

راقبه هو بهدوء، وسرعان ما اهتز جانب شفته باستهزاء، ما هي إلا دقائق حتى اقترب منه الطفل باحثا عن كرته، فابتسم:

-هل تريد أن نلعب معا؟

هز الطفل رأسه وقد بدت ابتسامة وديعة على وجهه الصغير، أمسكه وتمشى بشكل عادي إلى أن خرج من المنتزه، دون أن ينتبه له أحد، توجه إلى القبو الذي يتخذ منه مقرا له، ظلت نظرات الطفل معلقة نحوه، وكلما التقت أعينهما إلا وابتسم الطفل، أغلق الباب، ثم أجلسه على الطاولة، بدأ يبحث في الدرج، ثم منحه قطعة حلوى، أخذها الصغير وحشاها في فمه متلذذا بطعم السكر ...

ظل يراقبه بهدوء وألف خاطر يجول في باله، في لحظة واحدة، أمسك عنق الصغير بكلتا يديه الضخمتين، وضغط، سعل الطفل ورفع يديه في محاولة يائسة لإبعاد اليدين الضخمتين على عنقه، ضغط أكثر حتى ارتخى الطفل مستسلما بين يديه، همس له في أذنه:

-اعتبرها مساعدة لك يا صغيري، فأمك لا تستحقك أبدا ...

انكمشت ملامح الصغير وتلفظ أنفاسه الأخيرة، زم الضخم شفتيه:

-ربما أنت الوحيد الذي لم تقاوم

رفع يديه للأعلى وتمدد عاليا وكأنه أنهى أشغالا شاقة، ثم توجه للحائط وهو يحسب ثم التفت لجثة الطفل وكأنه يفكر:

-أنت الطفل الثالث والعشرين ... أوه الوقت يمر بسرعة

قرفص وأفكاره تضج في عقله، وبدأ ضميره داخلي يجادل بداخله، ونمت أصوات متعاركة تحدث الصوت الأول بلهجة جافة:

-ماذا استفدت من إنهاء حياة أطفال لم يرتبكوا ولو ذنبا واحدا!

أجابه صوت آخر:

-ذنبهم أنهم ولدوا

أمسك رأسه بألم وتقطع صوته:

-أسكتوا! أنتم لا تعرفون شيئا!

ضجت الأصوات بشكل عشوائي:

-أنت مذنب

-لما فعلتها؟

-هم يستحقون

-لما بالأصل ولدوا

-أين العدل؟

-أعط مبررا واحدا لقتلك أرواح بريئة ...

أمسك رأسه بألم وصرخ بصوت عالي:

-لأنني عقيــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــم

سكتت كل الأصوات وكأنها أخرسها برده، وكأنها صدمت، أثلج صدره الرد، لأنه أكثر من كاف، وأكثر من مبرر مقنع برأيه، مرت دموعه الحارة وتحولت الدموع في لحظة لبكاء هستيري، ثم تقطع كلامه:

-لما هم ينعمون بالأطفال، وأنا لا؟ ها؟، لما يهملون أطفالهم ويأخذون لقب الأب والأم عبثا، ها؟ أنا من أستحق لا هم، حاولت بكل الطرق أن يصبح لي طفل، لكن الطبيب اللعين يخبرني أني عقيم، وتهجرني زوجتي، لاقتلن كل طفل أصادفه حتى يشعروا باللهيب المشتعل في قلبي ...

انكمش حول نفسه في زاوية القبو، وظلت جثة الصغير موضوعة على الطاولة وكأنه نائم بسلام..

سمع أصوات خارجية، وبدا صوت يتضح شيئا فشيئا، سمع بكاء هستيري، وأصوات أناس متداخلة، ثم انطلق صوت آخر بمكبر الصوت اخترق أذنيه:

-سلم نفسك حالا، الشرطة تحاصرك

تنهد بهدوء، ظلت الشرطة تردد الصوت دون أي استجابة منه، فاستخدمت القوة وفتحت باب القبو بعنف، ما إن اندفعت الشرطة، حتى اخترقت إحدى النساء الحشد، ودخلت تبحث بعينيها، فبدا لها طفلها الصغير ممددا على الطاولة، ضربت خذيها وبدأت تقلبه، وانهارت حين علمت أنه قد مات ...

دفعه الشرطيين بعنف، وكانت الصحافة تضج في المكان، وسمع مراسلة تقول بكلمات مسترسلة:

-ثم العثور على القاتل المتسلسل الذي كان وراء اختفاء عدد من الأطفال، وبعد تحريات قامت بها الشرطة، ثم اعتقاله وقد وجدت معه جثة الضحية الأخيرة..

ضحك وتمتم لنفسه:

-من قال إنه الأخير؟

نظر الشرطيين لبعضهما، ثم قال الأول:

-إنه مجنون!

ما إن دخل لسيارة الشرطة، اتكأ وكأنها لحظة سلام ثم همس لنفسه:

-فقط كنت أريد أن أخلصهم من عذاب آباء وأمهات لا يستحقون..

بطاقة العمل

اسم المستقل Afaf M.
عدد الإعجابات 0
عدد المشاهدات 327
تاريخ الإضافة