تأليفي لقصة قصيرة "خاطرة 29 سنة"..

تفاصيل العمل

لطالما كان الرقم 29 لدي مثيرا للتأمل، وباعثا على التفكير

خاصة في العمر، كان يعني أنه نهاية الشباب الطائش، والعشرينيات العشوائية

وهو بداية النضج والاكتمال، بدا لي هذا الرقم فاتنا لبداية مثالية..

لذا تخيلت نفسي طويلا، كيف سأبدو حين أصل لأنثى في التاسعة والعشرين..

في كل مرة أسمع طلال مداح يتغنى بعمر التاسعة والعشرين قائلا:

تسعة وعشرين عام ضاع وسط الزحام ..

ليلي ونهاري وقلبي أصبح يحب الظلام ..

واليوم يمكن تقولي يا نفسي أنك سعيدة ..

يشهد على صدق قولي دقات قلبي الجديدة..

وانا في درب الهلاك ظهرت لي يا ملاك..

غيرت مجرى حياتي شفت السعادة معاك..

ماذا رأيت يا طلال في هذا السن؟ وأي حقيقة اكتشفت؟

هذا ما تبادر لذهني وأنا ابنة الثامنة عشر، بدت أمامي عشر سنوات طويلة..

وهكذا بدأت رحلة العشر سنوات أمامي، لأجل أن أكون مثالية أمام التاسعة والعشرين..

لم أرغب بأن يتطلع عليّ أحدهم ليقول أنّي وصلت لهذا السن دون إنجاز يذكر ولا تشريف يسعد..

لذا لنجتهد، وحين يأتي ما تغنى به طلال مداح سيجدني في مقام يليق..

في هذه الرحلة بدأت أتعرف بذاتي، بدأت أبحث عني، عما أحب، وما أكره، نزاعاتي الشريرة ودواخلي الطيبة، كم عليّ أن أتحمل، وما عليّ أن أحقق..

كنت أرى انّي سأجلس أمام كعكة عيد ميلادي، وأتأمل رقم 29، وأضحك عاليا عند لقاءه، وأهدي نفسي إنجازاتي كلها التي قاتلت لأجلها، ومبادئي التي حافظت عليها..

بدأت سنواتي تزداد سنة بعد سنة، وبكل عيد ميلادي، أطفأ تلك الشمعة، سعيدة بي، وبما وصلت له، وبما أضعه مستقبلا..

وبعد سنوات..

حل السابع من أكتوبر سنة 2019..

رن هاتفي برنين مزعج أطن أذناي، لكن كان جسدي مثقلا، وروحي خاوية..

رفعت يداي، وظهرت لي عبارة "عيد ميلادك"..

كان قد تذكرني هو..

مرت دموعي بحرقة على خداي..

سرعان ما تحول البكاء الصامت إلى شهقات..

ومن ثم بكاء هيستري ملأ الأرجاء..

كانت غرفتي مليئة برائحة الموت، لم يكن ملك الموت حاضرا بعد..

بل أفكاري التي تدفعني إلى أن أقتل نفسي يوما بيوم..

كل أنواع الانتحار فكرت فيها..

من حبل، إلى رمي نفسي، أو أدوية، أو أخنق نفسي بدخان وأموت..

بأي طريقة كانت..

فقط لكي أنهي هذا الفصل من حياتي..

تبا لعمر التاسعة والعشرين..

فما إن وصلته حتى لم يعد لروحي النهوض مجددا، حارب لأجلي ألف مرة، وهزمتني الحياة مليون مرة أخرى..

آه..

أصبح التنفس ثقيلا، والتعب نهش فؤادي..

بدأ يخيل لي أن هنالك شموعا في كعكعة وهمية بقربي..

لم يكتب اسمي هذه المرة على تلك الكعكة البئيسة، بل خط بقلم رفيع عبارة:

"ما جدواك في هذه الحياة؟"

رمشت بعينايّ مجددا..

اختفت الكعكة، وغرقت مجددا في ظلام دامس..

وهكذا..

أصبحت موظفة، ولدي استقلال مادي، بيت، سيارة..

أحلام كل شاب في نهاية عشريناته..

يحسدني الجميع، وأحيانا اوزع ابتسامات واهية..

لكن الله وحده من يعلم النار التي بداخلي..

والألم الذي يقطعني إربا إربا..

سمعت في إحدى المرات أن الحياة عبارة عن حزن سعادة ثم حزن..

أي أن السعادة تكون فاصلة بين كل حزن وحزن..

ربما كان تفسيرا سوداويا لمعنى الحياة..

لكن كان أسوء من حياتي برغم من سوداويته..

فأنا أيامي، حزن وحزن، ثم حزن في حزن..

السعادة كانت مجرد معنى فردوسي لا حقيقة له..

وصلنا لكل شيء لكن فقدنا معنى الحياة، وأنّى لي الاستمتاع؟

بدأت مجددا موجة دموع حارقة، بالرغم أن أعيني وجفوني لم تعد تحتمل..

أصبحت ملوحة دموعي رفيقا لجفوني..

بالرغم من ألم الدموع للجفون، أصبح كلاهما رفيقا للآخر..

كم مرت من ساعة وأنا على سريري أضرب الأخماس في الأسداس؟

بل كم من يوم وأنا هنا؟

ما بين ضغط العمل، وكره البشر، وجلد الذات..

انتهى الأمر بما يزيد من 9 حبات من الأدوية عليّ شربها يوميا..

وطبيبة تهز رأسها بأسف مخبرة أني أعاني من الاكتئاب الحاد..

هذه ضريبة التاسعة والعشرين التي رغبت بها طويلا..

لا كعكة..

لا أحد يعانقني..

لا فرحة إنجاز..

ولا ابتسامة سعادة..

فقط تحول كل شيء لدموع، وحزن، وانهيار..

ابتسمت، وهمست لنفسي:

-أهذا ما فنيت لأجله يا طلال مداح؟

فأنا ببساطة لست سعيدة..

بطاقة العمل

اسم المستقل Afaf M.
عدد الإعجابات 0
عدد المشاهدات 292
تاريخ الإضافة
تاريخ الإنجاز